صرّح الاستشاري المعماري الدكتور المهندس محمد طلعت، رئيس مجلس إدارة شركة “محمد طلعت معماريون”، أن العالم يقف اليوم على أعتاب ثورة فكرية في مجال التصميم والعمارة تُعرف بـ”عمارة الإدراك العصبي” (Neuro-Architecture)، وهي المدرسة التي تمزج بين علوم الأعصاب والعمارة، لخلق بيئات قادرة على التأثير في المخ، والمزاج، والسلوك البشري بشكل علمي ومدروس.

وأكد طلعت أن هذا التوجه لا يُعيد فقط تعريف العمارة، بل يُعيد تعريف الإنسان نفسه بوصفه الكائن المركزي في التجربة المعمارية، لا مجرد مستخدم أو ساكن.

العمارة كأداة لتنظيم الإشارات العصبية

و أوضح طلعت أن علم الأعصاب المعماري يقوم على فكرة أن التصميم المعماري قادر على توجيه الإشارات العصبية في الدماغ، مما ينعكس على مستويات التوتر، والإنتاجية، والإبداع، وحتى معدلات الشفاء في المستشفيات.

وذكر طلعت أن كل لون، كل زاوية، كل ضوء، يرسل إشارة إلى المخ، لان الفضاء المعماري هو لغة عصبية خفية، إن أحسنا صياغتها، يمكننا من خلالها تحسين جودة الحياة بشكل جذري.”

وأشار طلعت إلى أن هذا المفهوم أصبح أحد أعمدة البحث العلمي في كبرى الجامعات العالمية مثل MIT وStanford، وبدأ يُترجم إلى ممارسات عملية في تصميم المكاتب والمستشفيات والمدارس.

من الهندسة إلى علم النفس

و أضاف طلعت أن المعماري لم يعد مجرد مصمم أشكال هندسية، بل أصبح مهندسًا للحالة النفسية، كما أن عمارة الإدراك العصبي تهتم بدراسة كيفية استجابة الدماغ البشري للعوامل المكانية — كالإضاءة الطبيعية، الارتفاعات، الخطوط المنحنية، وجود المساحات الخضراء — ثم توظيف هذه المعرفة لبناء بيئات “تحفّز الإبداع أو الاسترخاء أو التواصل” وفقًا لوظيفة المكان.

واستكمل طلعت إن “الخط المستقيم” مثلًا يُحفّز التركيز، بينما “المنحنيات” تمنح الأمان؛ وأن الضوء الطبيعي المتدرّج يُقلل القلق بنسبة تتجاوز 60% بحسب الدراسات الحديثة.

المدن كأجهزة عصبية كبرى

و أشار طلعت إلى أن المستقبل المعماري سيشهد تعامل المدن نفسها باعتبارها “نُظُم عصبية” ضخمة، تتفاعل فيها الحواس والبيانات والفراغات في شبكة من العلاقات النفسية والذهنية المعقدة، كما إن فكرة “المدينة الذكية” في صورتها القادمة لن تقتصر على التكنولوجيا، بل ستعتمد على الذكاء العصبي للمكان — أي تصميم المدينة بحيث “تفهم الإنسان” وتتكيف مع حالته المزاجية وسلوكه اليومي.

وأكد طلعت أن هذه الرؤية تمثل الجيل الجديد من العمارة الإنسانية (Human-Centric Design)، حيث يصبح الهدف النهائي هو تحسين كيمياء المخ عبر هندسة المكان.

سيناريوهات التطبيق في مصر والمنطقة

و ذكر طلعت أن تطبيق هذا التوجه في المنطقة العربية يحتاج إلى نقل المفهوم من المجال الأكاديمي إلى التطبيق الواقعي، من خلال تطوير أحياء متكاملة تُصمَّم بناءً على دراسات في علم الأعصاب والسلوك الإنساني.

واقترح طلعت ، أن يبدأ ذلك في قطاعات التعليم والصحة والمكاتب الإبداعية، عبر بيئات ذكية تُحفّز الطاقة الإيجابية وتُقلل الضغوط العصبية، حيث أن لدينا فرصة تاريخية لتأسيس أول تجربة عربية في عمارة الإدراك العصبي، تعكس هوية المكان واحتياجات الإنسان العربي معًا، وتُقدّم للعالم نموذجًا معماريًا جديدًا يقوم على العلم والوعي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version