بكل تأكيد تختلف ولايه ترامب الرئاسيه الجديده امقارنة بفترة رئاستة الأولى؛ فهناك حروب على جبهات متعددة مستمرة منذ سنوات، واختلافات وتوترات تجارية واستثمارية بين الدول مترافقة مع ارتفاع هائل في الدين العالمي وتوقعات بتخطيه 100 تريليون دولار هذا العام، وهو ماقد يقود إلي توقعات عديده لعل أهمها أن سياسات ترامب الداخلية سترفع التضخم وتقود لفائدة أعلى لفترة أطول ، ولذلك فإن الولاية الثانية من سياسات ترامب ستكون عبارة عن مزيج من التعريفات الجمركية والحمائية التجارية وتخفيض في الضرائب مترافق مع تضييق على الهجرة غير الشرعية ستأتي في ظل اقتصاد أميركي ينمو بقوة، وبالتالي ستكون ذات طبيعة تضخمية وستقود إلى عجز أعلى في الميزانية الأميركية وارتفاع في الدين أيضاً، حيث إن تمديد سياسات الخفض الضريبي التي أقرها ترامب لمدة 10 سنوات أخرى ستُضيف 4.6 تريليون دولار إلى الدين الأميركي المتفاقم أصلاً ، كما إن أي إشارة إلى ارتفاع التضخم ستجعل الفيدرالي يتمهل في سياسة خفض الفائدة والتيسير النقدي، فيما بقية البنوك المركزية الكبرى كالأوروبي وبنك إنجلترا تخفّض الفائدة ،وهو مايعني أن فائدة أعلى -لفترة أطول- ودولار قوي سيؤثّران سلباً في الأسواق الناشئة والدول التي لديها نسبة مرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي ستفاقم خطورة الوصول إلى أزمة دين عالمية، وتهدد الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي في الوقت الذي تنفق فيه 48 دولة على مدفوعات فوائد الدين أكثر مما تنفق على التعليم والصحة
كما سيتم التركيز على سياسات الحمائية التجارية -المبررة بحماية الأمن القومي الاستراتيجي- سيزيد التوتر في التجارة العالمية ويقود إلى إجراءات مضادة انتقامية ، ولاشك أن العوائق التجارية وارتفاع حدة الحمائية ستضر بالتنافسية وتعطل الأسواق وسلاسل الإمداد العالمية ، كما أنه من المتوقع أن تفرض تعريفات جمركية أعلى وأشمل على الصين -مع الأخذ بعين الاعتبار الحرب التكنولوجية القائمة حالياً- ستضر بالنمو، لكن الصين ستتخذ إجراءات مضادة منها التجارية ومنها تقييد الاستثمارات والتوسع في أسواق “الجنوب” العالمي، بالإضافة إلى تعميق العلاقات مع مجموعة بريكس+ والتكامل معها استراتيجياً، كما إن فصل العلاقات أو فتورها بين أميركا والاتحاد الأوروبي مع الصين سيلعب دوراً في صالح دول الخليج العربي، التي ستستفيد من اتفاقيات تجارية ثنائية وشراكات اقتصادية مع الصين.
أما بالنسبه لتصريحات ترامب المتكرره بإيقاف الالتزامات المناخية ، ، وبالرغم من كل مايحدث في لوس أنجلوس لاحتواء الحرائق الهائلة التي لم تحصل في تاريخها، لكن لهجة ترامب والجمهوريين لا تزال بإنكار كل ما يتعلق بالتغيّر المناخي، ما يجعل التوقعات تصب بأن يعكس ترامب القوانين البيئية كلّها التي صدرت في حقبة بايدن، ويعكس التزامات أميركا كافة في ما يتعلق بالمناخ ، وهنا فإن التغيّر في السياسات المناخية الأميركية يشكّل فرصة لدول الخليج العربي ، حيث أن دول الخليج تستطيع البناء على الميزات التي تمتلكها بزيادة استثماراتها في الطاقات النظيفة، مستهدفة تصدير هذه الطاقات الفائضة بالإضافة إلى تصدير منتجات متعلقة بها كالألواح الشمسية والهيدروجين الأخضر ومشاريع تحلية المياه وتبريد المناطق والزراعة الصحراوية.
وفيما يتعلق بتدخل الولايات المتحده لإنهاء العديد من الحروب والأزمات المشتعله بالمنطقه ، فإنه مهما كان قرار ترامب بدعم إعادة الإعمار في غزة ولبنان وسوريا، وكيفية تعامله مع الحرب الروسية الأوكرانية سيكون له تأثير عظيم على قطاع البنية التحتية وعلى قطاع النفط والغذاء على حد سواء – فإنه بالتأكيد ستكون هناك تبعات كبرى لو كانت هناك خطط قادمة لاستخدام القوة العسكرية الأميركية بشكل أكبر، اللهجة المعادية للصين والمعادية لإيران قد تفضي إلى المزيد من المواجهات أو على الأقل المزيد من العقوبات، وإذا تحقق ذلك فبالتأكيد المخاطر الجيوسياسية ستؤدي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، وتكلفة أكبر للتأمين على وتعثر الديون ، وكذلك تقلص الاستثمارات الرأسمالية والاستثمارات العابرة للحدود، وبالتالي ركود عالمي.
ونهايه القول إن الفترة الرئاسية الثانية لترامب ستكون مليئة بالتحديات ، وسيكون عنوان المرحلة القادمه “عدم اليقين”، كما أن الحديث عن ركود عالمي ؛ سيكون هو السيناريو الأقل حدوثاً إلّا إذا بدأت الدول جميعها تطبيق سياسة “أنا أولا” في التجارة الدولية -وهي السياسة التي يسوّق لها ترامب في الولايات المتحدة دوما ، وربما ستكون هي السياسه الأكثر نجاحا خلال الفتره القادمه دوليا.